1626131_201
1626131_201
روضة الصائم

«لعلكم تتقون»

23 أبريل 2021
23 أبريل 2021

عبدالله بن خلف الهنائي -

شرع الله تعالى لنا العبادات لتكون لها نتيجة في أفعالنا وأخلاقنا فهي تساعد الإنسان على استقامته وحسن خلقه وسمته ومعاملته للناس بالحسنى وكل ذلك يوصل لغاية عظمى وهي التقوى والتي هي سبب للنجاح في الدنيا والآخرة. ومن تلك العبادات عبادة الصيام والتي علل الله تعالى نتيجتها بالتقوى فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) والتقوى هنا تعني أداء الواجبات وترك المحرمات والصيام سبيل لتعويد النفس على أداء الواجب وترك المحرم كيف لا... وقد ترك المسلم الطعام والشراب والشهوات من المباحات لأجل طاعة ربه ومن فعل ذلك كان حقا له ترك المحرمات والملهيات عن ذكر الله لأنه ارتقى بنفسه لعلوها وترفع عن السفاسف وأصبح عبدا لا يهمه إلا طاعة ربه والسعي في إصلاح نفسه. وهنا نجد الصيام يقدم لنا دورة إيمانية لمدة شهر كامل كي نخرج من هذا الشهر وقد جُبلت نفوسنا على الطاعة وترك المحرمات وهو طريق سديد في النهوض بالإصلاح في الأرض والعمل لما بعد الموت وهو الغاية من خلق الإنسان دعونا نقف عند كلمة الإصلاح وموقعه من الصيام وكما تقدم بأن الصيام مدرسة لذلك ونحن نعيش في عالم متسارع وتتداخل العادات والتقاليد لدينا بين شعوب العالم بأسهل الطرق وأبسطها ويكفي أن يجلس المرء أمام هاتفه ليعرف ما يفعله غيره من أهل الغرب أو الشرق ويستقي منهم ما يكيف به نفسه ولكن المؤمن يدرك أنه ليس حرا في هذه الدنيا ولا يكون إمّعة فهو لديه دستور يستقي منه منهجه في التعامل الفكري والعلمي والاجتماعي فكل ما يراه يعرضه على كتاب الله وسنة رسوله فإن وافقهما سار على دربه وإلا تركه واستهل بإيمانه وهذا الدستور نزل في شهر فضيل وهو شهر الصيام وقد جعله الله هداية للناس وبينات من الهدى والفرقان فتالي القرآن في رمضان يدرك القيمة الإيمانية التي يستقي منها عظمة هذا الكتاب فقد عظم الله الشهر الذي أُنزل فيه فأمر بصيامه وخصه بأجور وحسنات لا تجدها في غيره بل عظم الله تعالى الليلة التي أنزل فيها القرآن فسماها ليلة القدر وفضلها بخير من ألف شهر ولا شك أن هذا التعظيم يتبعه تعظيما لمنهجه في قلب المؤمن والذي يسعى جاهدا لتطبيقه بحذافيره كما فعل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان خلقه القرآن ولا شك لو أنك درست سيرته عليه الصلاة والسلام لوجدت هذا المنهج مترجما في حياته بأكملها وما أحوجنا بأن نجعل منه قدوة لنا في حياتنا لكي تخلص سيرتنا وسريرتنا وذلك هو منبع التقوى. وقد خص الله تعالى المتقين بميزات تميزهم عن غيرهم فهم يسعون للرزق مع إدراكهم الكامل بأن الله يرزقهم من غير أن يحتسبوا (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وهم تتفتح عقولهم وتتنور بصيرتهم بتقواهم (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) وهم يمثلون خيرة المجتمع دون النظر إلى لونهم أو جنسهم أو مكانتهم الاجتماعية (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وهي سبب لفتح بركات الله تعالى من السماء والأرض (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) وبها يشعر المؤمن عظم شعائر الله (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) فلا ينظر إلى الكعبة بأنها حجر فقط ولكنها أمر الله وشرعه ولا ينظر إلى الصلاة بأنها حركات وسكنات فقط ولكنها شرع الله ولا ينظر إلى الصوم بأنه حرمان من الطعام والشراب والشهوة فقط ولكنه شرع الله وبهذا يصبح الإنسان قائم بعبادة ربه وهو مطمئن